فصل: التفسير المأُثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وقيل للذين اتقوا} قال: هؤلاء المؤمنون، يقال لهم {ماذا أنزل ربكم} فيقولون {خيرًا للذين أحسنوا} أي آمنوا بالله وكتبه وأمروا بطاعته، وحثوا عباد الله على الخير ودعوهم إليه.
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} قال: أحياء وأمواتًا، قدر الله ذلك لهم.
وأخرج ابن مالك وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، وأبو القاسم بن منده في كتاب الأحوال، والبيهقي في شعب الإِيمان، عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا استفاقت نفس العبد المؤمن، جاءه الملك فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}.
قوله تعالى: {خَيْرًا} خيرًا: العامَّةُ على نَصْبِه، أي: أَنْزل خيرًا. قال الزمخشري: فإن قلتَ: لِمَ قلتَ: لِمَ رَفَعَ الأولَ ونَصَبَ هذا؟ قلت: فصلًا بين جواب المُقِرِّ وجوابِ الجاحد. يعني أن هؤلاء لمَّا سُئِلوا لم يَتَلَعْثموا، وأطبقوا الجوابَ على السؤال بَيِّنا مكشوفًا مفعولًا للإِنزال فقالوا: خيرًا، وأولئك عَدَلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو أساطيرُ الأولين، وليس هو من الإِنزال في شيء.
وزيدُ بن علي: {خيرٌ} بالرفع، أي: المُنْزَل خيرٌ، وهي مؤيدةٌ لجَعْلِ (ذا) موصولةً، وهو الأحسنُ لمطابقة الجوابِ لسؤاله، وإن كان العكسُ جائزًا، وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرة.
قوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} هذه الجملةُ يجوز فيها أوجهٌ، أحدها: أن تكونَ منقطعةً مِمَّا قبلها، إخبارَ استئنافٍ بذلك. الثاني: أنها بدلٌ مِنْ {خيرًا}. قال الزمخشري: هو بدل من {خيرًا} حكايةً لقول الذين اتَّقَوْا، أي: قالوا هذا القولَ فقدَّم تسميتَه خيرًا ثم حكاه. الثالث: أن هذه الجملةَ تفسيرٌ لقوله: {خيرًا}؛ وذلك أن الخيرَ هو الوحيُ الذي أَنْزل الله فيه: مَنْ أَحْسَنَ في الدنيا بالطاعة حسنةٌ في الدنيا وحسنةٌ في الآخرة.
وقوله: {فِي هذه الدنيا} الظاهرُ تعلُّقه ب {أَحْسَنوا}، أي: أَوْقَعوا الحسنةَ في دار الدنيا، ويجوز أن يكونَ متعلقًا بمحذوفٍ على أنه حال مِنْ {حَسَنَة} إذ لو تأخَّر لكان صفةً لها، ويَضْعُفُ تعلُّقه بها نفسِها لتقدُّمِه عليها.
قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} يجوز أن يكونَ هو المخصوصَ بالمدح فيجيءُ فيها ثلاثةُ الأوجهِ: رفعُها بالابتداء، والجملةُ المتقدمة خبرُها، أو رفعُها خبرَ المبتدأ المضمر، أو رفعُها بالابتداء والخبرُ محذوفٌ، وهو أضعفُها، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك، ويجوز أن يكونَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} خبرَ مبتدأ مضمرٍ لا على ما تقدَّم، بل يكونُ المخصوصُ محذوفًا، تقديرُه: ولَنِعْمَ دارُ المتقين دارُهم هي جنات، وقَدَّره الزمخشريُّ {ولَنِعْمَ دارُ المتقين دارُ الآخرة}، ويجوز أن يكونَ مبتدأً، والخبرُ الجملةُ مِنْ قوله: {يَدْخلونها}، ويجوز أن يكونَ الخبرُ مضمرًا تقديره: لهم جناتُ عدن، ودلَّ على ذلك قوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ}.
والعامَّة على رفع {جناتُ} على ما تقدَّم، وقرأ زيد بن ثابت والسُّلَمي {جناتِ} نصبًا على الاشتغال بفعل مضمر تقديره: يَدْخلون جناتِ عدن يَدْخُلونها، وهذه تُقَوِّي أن يكونَ {جنات} مبتدأً، و{يَدْخلونها} الخبرَ في قراءةِ العامَّة.
وقرأ زيد بن علي {ولَنِعْمَةُ دارِ} بتاء التأنيثِ مرفوعةٌ بالابتداء، و{دارِ} خفضٌ بالإِضافة، و{جَنَّاتُ عَدْنٍ} الخبر، و{يَدْخُلونها} في جميعِ ذلك نصبٌ على الحال، إلاّ إذا جَعَلْناه خبرًا ل {جَنَّاتُ عَدْنٍ}.
وقرأ نافع في روايةٍ {يُدْخَلُونها} بالياء مِنْ تحتُ مبنيًا للمفعول، وأبو عبد الرحمن {تَدْخُلونها} بتاء الخطاب مبنيًا للفاعل.
قوله: {تَجْري} يجوز أن يكونَ منصوبًا على الحالِ مِنْ {جنات} قاله ابن عطية، وأن يكونَ في موضعِ الصفةِ ل {جنات} قاله الحوفي، والوجهان مبنيَّان على القولِ في {عَدْن} هل هو معرفةٌ لكونِه علمًا، أو نكرةً، فقائلُ الحالِ لَحَظ الأولَ، وقائلُ النعتِ لحظَ الثاني.
قوله: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤونَ} الكلامُ في هذه الجملةِ كالكلامِ في الجملة قبلَها، والخبرُ: إمَّا {لهم} وإمَّا {فيها}.
قوله: {كذلك} الكافُ في محلِّ نصب على الحال من ضمير المصدرِ، أو نهتٌ لمصدرٍ مقدرٍ، أو في محلِّ رفعٍ خبرًا لمبتدأ مضمر، أي: الأمرُ كذلك، و{يَجْزِي الله المتقين} مستأنَفٌ.
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}.
و{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ} يَحْتمل ما ذكرناه فيما تقدَّم، إذا جَعَلْنا {يقولون} خبرًا فلابد مِنْ عائدٍ محذوفٍ، أي: يقولون لهم، وإذا لم نَجْعَلْه خبرًا كان حالًا من {الملائكة} فيكون {طيبين} حالًا مِنَ المفعولِ، و{يقولون} حالًا مِن الفاعل، وهي يجوز أن تكونَ حالًا مقارِنَةً إن كان القولُ واقعًا في الدنيا، ومقدَّرةً إنْ كان واقعًا في الآخرة.
و(ما) في {بما} مصدريةً، أو بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}.
أما المسلمون فإذا وردوا عليهم، وسألوهم عن أحوال محمد صلى الله عليه وسلم وعما أَنزل اللَّهُ عليه، قالوا: دينه حقٌّ، واللَّهُ أَنزل عليه الحقَّ.، والذين أحسنوا في الدنيا يجِدُون الخير في الآخرة.
ويقال في هذه الدنيا حسنة، وهي ما لهم من حلاوة الطاعة بصفاء الوقت ويصحُّ أن تكونَ تلك الحسنةُ زيادةَ التوفيق لهم في الأعمال، وزيادةَ التوفيقِ لهم في الأحوال.
ويصح أن يقال تلك الحسنة أَنْ يُوَفِّقَهم بالاستقامة على ما هم عليه من الإحسان.
ويصح أن يقال تلك الحسنة أن يُبَلِّغهم منازلَ الأكابر والسادة.
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24].
ويصح أن تكون تلك الحسنة ما يتعدَّى منهم إلى غيرهم من بركات إرشادهم للمريدين، وما يجري على من اتبعهم مما أخذوه وتعلموه منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يهتدي بهداك رجل خير لك من حمر النعم».
ثم قال: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خيْرٌ}، لأن ما فيها يبقى، وليس فيها خطر الزوال، ولأن في الدنيا مشاهدة وفي الآخرة معاينة.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)}.
كما أن الإرادات والهمَمَ تختلف في الدنيا فكذلك في الآخرة، وفي الخبر: «مَنْ كان بحالةٍ لَقِيَ الله بها» فَمِنْ مريدٍ يكتفي من الجنة بورودها، ومن مريدٍ لا يكتفي من الجنة دون شهود ربِّ الجنة.
ويقال إذا شاءوا أن يعودوا إلى ما فاتهم من قصورهم، وما وجدوا في ذلك من صحبة اللَّعينِ في سائر أحوالهم وأمورهم يسلم لهم ذلك، ومن شاء أن تدومَ رؤيتُه، ويتأبَّدَ سماعُ خطابه فلهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد، وهو ما لم يخطر ببال أحد.
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}.
يقبض أرواحَهم طيبً. أويقال: {طَيِّبِينَ} حال.
والأسباب التي تطيب بها قلوبُهم وأرواحُهم مختلفة، فمنهم مَنْ طاب وقتُه لأنه قد غُفِرَتْ ذنوبُه، وسُتِرتْ عيوبه، ومنهم مَنْ طاب قلبُه لأنه سَلَّمَ عليه محبوبُه، ومنهم من طاب قلبه لأنه لم يَفُتْه مطلوبه.
ومنهم من طاب وقته لأنه يعود إلى ثوابه، ويصل إلى حُسْنِ مآبه.
ومنهم من يطيب قلبه لأنه أَمِنَ من زوال حالِه، وحظي بسلامة مآله، ومنهم من يطيب قلبُه لأنه وصل إلى أفضاله، وآخر لأنه وصل إلى لطف جماله، وثابث لأنه خُصَّ بكشف جلاله- قد عَلِمَ كلُّ أناسٍ مَشْرَبَهم.
ويقال: {تَتَوَفَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ} طيبة نفوسهم أي طاهرةٌ من التدنُّس بالمخالفات، وطاهرةً قلوبهُم عن العلاقات، وأسرارهم عن الالتفات إلى شيء من المخلوقات.
قوله تعالى: {سَلاَمٌ عَلَيّكُمُ} احْظَوْا بالجنة، منهم مَنْ يخاطبه بذلك المَلَكَ، ومنهم مَنْ يُكَاشِفه بذلك المَلِكُ. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

وفي التأويلات النجمية: يشير إلى أن من أحسن أعماله بالصالحات وأخلاقه بالحميدات وأحواله بالانقلاب عن الخلق إلى الخلق فله حسنة من الله وهو أن ينزله منازل الواصلين الكاملين في الدنيا {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} أي: ولثوابهم فيها {خَيْرٌ} مما أوتوا في الدنيا من المثوبة أو دار الآخرة خير من الدنيا على الإطلاق فإن الآخرة كالجوهر والدنيا كالخزف وقيمة الجوهر أرفع من قيمة الخزف بل لا مناسبة بينهما أصلًا {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}.
قال الحسن دار المتقين الدنيا لأنهم منها يتزودون للآخرة.
يقول الفقير فيه مدح للدنيا باعتبار أنها متاع بلاغ فإنها باعتبار أنها متاع الغرور مذمومة.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى أن للأتقياء الواصلين دارًا غير دار الدنيا ودار الآخرة فدارهم مقعد الصدق في مقام العندية ونعم الدار.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ} عدن علم أي: لهم بساتين عدن حال كونهم {يَدْخُلُونَهَا} حال كونها {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ} أي: من تحت منازلها الأنهار الأربعة على أن يكون المنبع فيها بشهادة من {لَهُمُ} خبر مقدم {فِيهَا} أي: في تلك الجنات حال من المبتدأ المؤخر وهو قوله: {مَا يَشَاءونَ} ويحبون من أنواع المشتهيات.
قال البيضاوي في تقديم الظرف تنبيه على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة.
يقول الفقير إن قلت هل يجوز للمرء أن يشتهي في الجنة اللواطة؟ وقد ذهب إليه من لا وقوف له على جلية الحال فالجواب أن الاشتهاء المذكور مخالف لحكمة الرب الغفور ولو جاز هو لجاز نكاح الأمهات فيها على تقدير الاشتهاء وأنه مما لا يستريب عاقل في بطلانه ألا ترى أن الذكور وكذا الزنى واللواطة والكذب ونحوها كان حرامًا مؤبدًا في الدنيا في جميع الأديان لكونه مما لا تقتضي الحكمة حله بخلاف الخمر ونحوها ولذا كانت هي أحد الأنهار الجارية فيها فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن لا يستطيب ما استخبثته الطباع السليمة.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى أن من الأتقياء من مشيئته الجنة ونعيمها ومن مشيئته العبور على الجنة والخروج إلى مقعد الصدق في مقام العندية فلهم ما يختارون من الجنة ومقعد الصدق {كَذَلِكَ} أي: مثل ذلك الجزاء الأوفى {يَجْزِى اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} أي: كل من يتقي عن الشرك والمعاصي.
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة} نعت للمتقين أي: يقبض ملك الموت وأعوانه أرواحهم حال كونهم {طَيِّبِينَ} أي: طاهرين عن دنس الظلام لأنفسهم بتبديل فطرة الله.
وفائدته الإيذان بأن ملاك الأمر في التقوى هو الطهارة عما ذكر إلى وقت توفيهم.
ففيه حث للمؤمنين على ذلك ولغيرهم على تحصيله.
وقيل: طيبين بفيض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى جناب القدس جعلنا الله وإياكم منهم، وفي التأويلات النجمية أي: طيبي الأعمال عن دنس الشهوات والمخالفات.
وطيبي الأخلاق عن المذمومات الملوثة بالطبعيات دون الشرعيات.
وطيبي الأحوال عن وصمة ملاحظات الكونين {يَقُولُونَ} حال من الملائكة أي: قائلين لهم على وجه التعظيم والتبشير.
{سَلَامٌ عَلَيْكُمُ} لا يخيفكم بعد مكروه.
قال القرطبي: إذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت فقال: السلام عليك يا ولي الله الله يقرئك السلام وبشره بالجنة.
{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} أي: جنات عدن فإنها معدة لكم فاللام للعهد والمراد دخولهم لها في وقته كما قال الكاشفي: {بعد ازسلام كويند فرداكه مبعوث شويد در آييد دربهشت كه براى شما آماده است} والقبر روضة من رياض الجنة ومقدمة لنعيمها ومن دخله على حسن الحال والأعمال فكأنه دخل جنته ووجد نعيمًا لا يزول ولا يزال.
{بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بسبب ثباتكم على التقوى والطاعة والعمل وإن لم يكن موجبًا للجنة لأن الدخول فيها محض فضل من الله إلا أن الباء دلت على أن الدرجات إنما تنال بالأعمال وصدق الأحوال فإن المراد من دخول الجنة إنما هو اقتسام المنازل بحسب الأعمال.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى أن دخول الجنة للأتقياء جزاء لإصلاح أعمالهم والعبور عليها جزاء لإصلاح أخلاقهم والخروج إلى مقعد الصدق جزاء لإصلاح أحوالهم فلكل متق مقام بحسب معاملته مع الله تعالى وفي الحديث: «عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة: النبيون والصديقون والشهداء يقول الله تعالى طوبى لمن دخلك».
قال في بحر العلوم المراد بالصديق كل من آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد منهم بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِه أولئك هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد: 19] ويدل عليه أيضًا الآية التي نحن فيها كما لا يخفى ويعضده قول النبي عليه السلام «الله تعالى بنى جنات عدن بيد قدرته وجعل ملاطها المسك وترابها وحصباءها اللؤلؤ لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس غرسها بيد قدرته وقال لها: تكلمي قالت: قد أفلح المؤمنون فقال: طوبى لك منزل الملوك» وفي قولها: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] تنبيه على أن سكانها أهل الإيمان بالله ورسله انتهى.
يقول الفقير: لا شك أن أهل الإيمان كلهم يدخلون الجنة لكن بحسب تفاوت درجاتهم في مراتب الإيمان تتفاوت منازلهم الجنانية فالفردوس وعدن للخواص ومن يلحق بهم وغيرهما للعوام وكمال الإيمان إنما يحصل بمكاشفة أسرار الملكوت ومشاهدة أنوار الجبروت وصاحبه الصديق الأكبر والدليل على ما قلنا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا} [الكهف: 107] فإنهم قد قالوا في التفسير إن أهلها هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وهو الوصف الزائد على مطلق الإيمان ولذا وعدوا بتلك الجنان إذ من كان أرفع مرتبة في الدنيا بحسب العلوم النافعة والأخلاق الفاضلة كان أعلى درجة في الجنة. اهـ.